أكّد عميد كلية العلوم الاقتصادية والتّجارية وعلوم التّسيير بجامعة معسكر، البروفيسور فوزي تشيكو، الإرادة القوية في التّغيير الاقتصادي، والرّغبة في التحول من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد النّمو والتّنوع.
- الشعب: بداية ما هي قراءتكم لتوجيهات رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالتصور الاقتصادي الجديد أو ما حمل صيغة خطّة الانعاش الاقتصادي؟
البروفيسور فوزي تشيكو: توجيهات رئيس الجمهورية في سياق خطابه أو المندرجة في شكل تعليمات لأعضاء الحكومة، تبعث على الارتياح لأنّها تضمّنت كلمات مفتاحية لها دلالة عميقة، وتوحي إلى وجود إرادة قوية في التغيير الاقتصادي، ورغبة في التحول من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد النمو والتنوع.
- نتّفق على أنّ هناك فكرة أو مجموعة من الأفكار البنّاءة جاهزة للتّطبيق،لكن من سيشرف على تطبيق هذه الفكرة!؟
الشيء الإيجابي في محاور التّوجيهات السّامية لرئيس الجمهورية الخاصة بخطّة الانعاش الاقتصادي، وجود تسلسل منطقي وانسجام في طرح الخطاب، حيث استند على المصطلحات اقتصادية بحتة بعيدة عن السياسة والشعبوية، مثل مصطلح تحرير المبادرات، الإصلاحات الهيكلية، تنويع مصادر النمو، اقتصاد المعرفة وما إلى ذلك من مصطلحات التي تستدعي الاهتمام وتراعي نقاطا هامة لاقتصاد جديد وتوجّه اقتصادي جديد.
- بصفتكم مختصا في اقتصاديات الدّول النّاشئة، كيف يكون تحرير المبادرات، وما هي النّماذج الاقتصادية القدوة؟
لا بد أن نوضّح أنّ أي تحرير للمبادرات من الذهنيات والقيود البيروقراطية، لابد أن يرفق بنصوص قانونية التي تضمن توفير مناخ ملائم للاستثمار، ما تجسد في محاور خطة الانعاش الاقتصادي.
إنّ الهدف من المقارنة بين اقتصادنا الوطني والتجارب الاقتصادية الناجحة هو بمثابة دعوة لمقارنة وضعنا بوضع دول ناشئة وقوية اقتصاديا، وتمعن في العناصر الأساسية التي أدت إلى نهضة اقتصاديات ماليزيا، سنغافورة، تركيا وكوريا الجنوبية.
لكن في هذه المقارنة لابد من مراعاة أوجه الشبه والاختلاف بين محاولتنا التخلص من اقتصاد المحروقات والتبعية الاقتصادية وبين تجربة هذه الدول، العنصر المشترك في تطور ونهضة هذه الدول هو انطلاقها من فكرة الذكاء الجماعي، واستغلالها ذاكرتها الجماعية بشكل إيجابي، ما أدى إلى تحرير المبادرات فيها بشكل ساهم بخلق الخيرات وتوزيعها على بقية أفراد المجتمع على أساس الاستحقاق والجدارة.
- كيف يتم تحرير المبادرات وتقليص البيروقراطية؟
على سبيل المثال، التخوف من الاستثمار الأجنبي مطروح بقوة لعدة أسباب، رغم أن هناك قواعد واتفاقيات تحكم علاقات الشراكة والتعاون بين الدول والشركات في إطار الاستثمار.
التخوف هو فكرة خاطئة، ربما لأنّهم لم يتعرّفوا إلى نموذج ناجح لشراكة أو استثمار أجنبي، في هذا الظرف لابد لنا من الاستنجاد بالشريك الأجنبي وتوفير المناخ الملائم له لأن الشريك الأجنبي يملك التكنولوجيا ويفتح لنا آفاق أسواق جديدة في الخارج، والشراكة الأجنبية تمكّن الاقتصاد الوطني من اقتحام الأسواق الأجنبية، ما يعني العملة الصعبة ورفع معدل النمو، وهذا ما قامت به دول ناشئة أخرى ونجحت فيه لأنّها تصرّفت على أساس أنها دول ذات سيادة تتعامل مع المستثمر الأجنبي حسب مصالحها الوطنية.
- وكيف السّبيل إلى إصلاحات هيكلية وقانونية وتشجيع اقتصاد المعرفة؟
تحرير المبادرات لابد أن يكون مرافقا بنصوص قانونية تراعي وتتماشى وتساير الواقع الجديد، لابد أن تكون واضحة وفي فائدة كل الأطراف، بحيث تتحول الدولة من خلالها إلى عون اقتصادي، ولابد أيضا من إلغاء كل القيود المفروضة على إنشاء مؤسسات من بينها الآجال الزمنية والإجراءات البيروقراطية.
أعتقد أنّه لا فائدة من وجود ثلاث آليات لدعم مشاريع الشباب، حيث يكفي أن يكون هناك جهاز واحد أو أن تنصهر الآليات الثلاث في جهاز واحد، ويتم التعامل مباشرة مع البنوك وحاملي المشاريع وصندوق ضمان المشاريع إن اقتضى الأمر، وتكون هناك مكاتب دراسات مختصة تدرس جدوى المشروع وترافق الشباب وتكوّنهم، وتتحمل هي المسؤولية القانونية والجزائية حتى تكون هناك شفافية وجدية في تأسيس المؤسسات المصغرة والاستفادة من القروض، بالمعنى الدقيق لابد أن نعترف أن هناك أخطاء ارتكبت في وقت مضى لابد من تصحيحها من أجل التوجه الاقتصادي الجديد.
- ماذا عن طريق الحرير؟ وهل يشكّل المشروع فعلا صفقة القرن بالنسبة للجزائر؟!
المبادرة هي بمثابة حلّ حقيقي لجميع مشكلاتنا الاقتصادية والمشاكل المرتبطة بها، سيمكّن المشروع الجزائر من الاستفادة من مزايا صينية مهمة مثل الميناء المبرمج بشرشال وسكك حديدية متطورة من الشمال الى الجنوب ومناطق حرّة بالصحراء نحو إفريقيا، حيث ستشكّل الجزائر محورا اقتصاديا مهما لمشروع طريق الحرير الذي انضمّت إليه 90 دولة، وبطبيعة الحال يعتبر المشروع إضافة إلى مشروع ديزارتيك ومشاريع وإتفاقيات اقتصادية أخرى صفقات مربحة للجزائر إن تمت دون الالتفات إلى محاولات إحباطها والتشويش عليها سياسيا.
والأهم هو أن تحسن الدولة الجزائرية التعامل مع هذه العقبات ذات الطابع الجيو-استراتيجي، وأن تتصرّف كعون إقتصادي في المسائل الاقتصادية في خطتها الإنمائية، وأن تتصرّف كعون سياسي ودبلوماسي شرس في مواجهة الضغوطات والمكائد السياسية.